بعد عقدين في السلطة، لم تعد “الإسلاموية الشيعية” تحمل نفس المعنى الذي ساعدها في الهيمنة على السياسة العراقية بعد عام 2003. يطرح فريقٌ من الباحثين في مؤسسة القرن مفاهيمَ جديدةً لفهم الفصائل التي هيمنت على العراق منذ زمنٍ بعيدٍ.
توضح الأزماتُ السياسية المتعاقبة في العراق إلى أي مدىً تغيرت سياسات البلاد منذ عام 2005، حين اختار العراقيون أول حكومةٍ تمثلهم في ظل الاحتلال العسكري الأمريكي.
لطالما كان العراق محركاً مهماً للسياسة في منطقة الشرق الأوسط، ورائداً للأفكار والتوجهات الجديدة. كان العراق في عهد صدام حسين جمهوريةً استبداديةً تحكمها أقليةٌ، ومنتِجاً مهماً للنفط، ومحركاً للصراعات الإقليمية. وبعد عقدين من الزمن لا يزال العراق جمهوريةً، وفيه اليوم نظامُ تقاسمٍ للسلطة معيبٌ لكنه ديمقراطيٌّ وتعدديٌّ، وتهيمن عليه فصائلُ تمثل الأغلبية الشيعية.
من الناحية العملية بدّدت السلطة الإسلاموية الشيعية كل إجماعٍ حول معنى المصطلحين “شيعي” أو “إسلاموي” في السياسة، وليس في العراق وحسب. إن لتطور السلطة الإسلاموية الشيعية في العراق أهميةً للمنطقة المحيطة بأكملها، حيث غالباً ما تُؤطَّر الصراعات السياسية المعقدة تأطيراً خاطئاً – غالباً من قبل المشاركين أنفسهم – وتُصوَّر بأنها صراعاتٌ بين الإسلاموية والعلمانية، أو بين الشيعة والسنة. إن الدين والهوية لا يمثلان سوى جزءٍ وحسب من السياسة الشيعية في العراق المعاصر، إذ يكشف الفهمُ المعمق للأجندات الشيعية العراقية والصراعات على السلطة عن مشهدٍ سياسيٍّ فوضويٍّ ومرنٍ، وبالكاد يفسّر المصطلحان “الإسلاموية” و “السياسة الشيعية” أياً من الدوافع والانقسامات السياسية في العراق، بالرغم من الدور البارز الذي تؤديه الشخصيات الشيعية المتدينة في جميع جوانب الصراعات السياسية الكثيرة في البلاد.
في مطلع عام 2021 جمعت مؤسسة القرن فريقاً من الباحثين المختصين بالشأن العراقي بغية دراسة التحول الذي طرأ على المشهد السياسي الشيعي في العراق منذ الغزو الأمريكي، وقد تعاون الباحثون فيما بينهم على تحليل تطور السياسة الإسلاموية الشيعية من خلال دورات تقاسم السلطة والصراع المسلح الذي رسم ملامح العراق على مدى العقدين الماضيين، وقد درس هؤلاء الباحثون القادةَ الذين اعتنقوا تسمية “الإسلامويين الشيعة”، وكيف يمكننا وصف المشهد السياسي الحالي في العراق وفهمه على نحوٍ أفضلَ.
شرح كل شيءٍ ولا شيء
تشير الدراسة المتأنية إلى أن جميع القرارات المهمة في العراق يمكن عزوها بدرجةٍ ما إلى “السياسة الشيعية”، لكن في الوقت نفسه لا يمكن عزو أيٍّ منها إلى تلك السياسة. تكشفت عمليتان بالتوازي: التفوق الشيعي، والحدود الطبيعية للنظام السياسي التعددي.
في ظل حكم الأغلبية، أصبحت السياسة الشيعية أهمَّ سياسةٍ في العراق، لكنها ليست السياسة الوحيدة بأي حالٍ من الأحوال. إن “البيت الشيعي”، على حد وصف السياسيين العراقيين لذلك الطيف المتناحر والمتباين من الفصائل السياسية الشيعية، هو مَن يعيّن رئيسَ الوزراء، ويَشغل أهمَّ المناصب الحكومية وأكثرَها تربحاً. يُفترض بالفصائل الشيعية أن تدافع عن مصالح الشيعة، لكنها في الحقيقة تقضي كثيراً من وقتها أو جلّه في التصارع فيما بينها للحصول على حصةٍ أكبرَ من السلطة أو الموارد، وغالباً ما تقصد رجال الدين المستقلين ليتدخلوا كمحكّمين أو وكلاء للتغيير، فأرفع رجل دينٍ شيعي في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، دأب على التدخل لتجنيب العراق أي تصعيدٍ كارثيٍّ للصراع. لا يمكن تفسير أيٍّ من نزاعات العراق أو حلولها بأنها تجسيدٌ لـ “الإسلاموية الشيعية”، لكن في الوقت نفسه يلعب الدين والهوية دوراً مهماً في رسم المشهد السياسي.
والبيت الشيعي لا يعمل في فراغ، بل تجده يتفاوض باستمرارٍ مع القوى الأخرى، بعضها يشار إليه بهويتها (كالكرد، والعرب السنة، وغيرهم من المجتمعات) والبعض الآخر بانتمائها المؤسسي أو مصالحها (كالأجهزة الأمنية، ونخبة رجال الأعمال). لقد صنع العراقيون بعنايةٍ نظاماً سياسياً يمنع أي فصيلٍ أو مجموعة هويةٍ من الهيمنة على الآخرين أو حتى على أي مجتمعٍ واحدٍ، فترتيب تقاسم السلطة ما بعد الغزو الأمريكي يمنح الفائزين والخاسرين على حدٍّ سواء حصصاً من سلطة الحكومة. يعزز هذا النظام التوافقي الفساد وسوء الحكم، لكنه يجعل من الصعب أيضاً على أي حاكمٍ متسلطٍ أن يستأثر بموارد الدولة بمفرده. يسبب هذا التوازن الداخلي الإحباط لدى الإصلاحيين والمواطنين العراقيين الذين طالت معاناتهم، كما أنه أسفر عن نظامٍ يتميز بجهاتٍ فاعلةٍ هجينةٍ، وهوياتٍ متداخلةٍ ومتعددة الطبقات، وتنازلاتٍ سياسيةٍ.
يتألف فريق مؤسسة القرن المعنيُّ بدراسة السياسة الشيعية من خبراء في الإسلام الشيعي والسياسة الاجتماعية في الشرق الأوسط بغية إثراء النقاش وتقديم رؤىً حول الشؤون الحالية في العراق وغيره من البلدان التي تضم عدداً كبيراً من السكان الشيعة، كإيران ولبنان والبحرين. ومن بين المساهمين طيف الخضري وعلي المولوي ومارسين الشمري وثاناسيس كامبانيس وماريا فانتابي وفنار حداد وسجاد جياد وريناد منصور وبن روبن دكروز.
المشهد السياسي ما وراء الإسلاموية والهوية
إن المسار الفريد الذي سلكه العراق في المنطقة منذ عام 2003 جعل منه مختبراً ونموذجاً للمقاربات الجديدة في الدين والسياسة والسلطة. وكون العراق جمهوريةً تعدديةً تحكمها الأغلبية وفيها نظامٌ حال دون ظهور أي حاكمٍ أو فصيلٍ مهيمنٍ واحدٍ، فإن لدى التجربة العراقية الكثيرَ لتقدمه في منطقةٍ لا تشهد سوى القليل من التجارب أو التطور السياسي. العراق محاطٌ ببلدانٍ يحكمها مستبدون وطغاةٌ لا يتورعون عن استغلال الدين لإضفاء الشرعية على أنظمتهم أو ليجعلوه بمثابة بعبعٍ، والبديل المرعب لكل ما يقدمه الحاكم الحالي. لكن في العراق، تغلغلَ الدين في المشهد السياسي الذي أصبح مشبعاً به، فتطور هذا المشهد الذي لم يتجاوز الدين بل استوعبه. كان مصطلحا “شيعي” و “إسلاموي” مناسبين لوصف جزءٍ وحسب من المشهد السياسي في العراق في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003؛ وهي تسمياتٌ تبناها كثيرٌ من العراقيين أنفسهم.
لكن في فترةٍ تاريخيةٍ قصيرةٍ نسبياً، تغيرت الهوية والممارسة السياسية، إذ لم يعد مصطلحا “شيعي” و “إسلاموي” يتضمنان نفس الخصوصية والقوة التفسيرية في العراق. وعلى نطاقٍ أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تغيرت مضامين التسميات الطائفية والدينية تغيراً كبيراً، أو حتى فقدت معناها في فترة جيلٍ واحدٍ. قد يكون لكلٍّ من “شيعي” و “إسلاموي” في العراق نفس المعنى المحدود للمصطلحات “كاثوليكي” أو “بروتستانتي” و “مسيحاوي” في المشهد السياسي في الولايات المتحدة وأوروبا. الدين والتاريخ الديني مهمان لكنهما ليسا بالضرورة عاملين تفسيريين في فهم الدوافع والأحداث.
إن هذا التعليق المترجم مقدمةٌ لمشروعٍ أطلقته مؤسسة القرن بعنوان “نضوج السلطة الشيعية: تحول السياسة الإسلاموية في العراق، 2003-2023″، ويدرس التحولَ الجذري الذي طرأ على السياسة الإسلاموية الشيعية في العراق على مدى العقدين الماضيين. نأمل أن يساعد هذا البحث في تعزيز فهم السياسة والإسلاموية الشيعية، وعلى نطاقٍ أوسع، السياسة الدينية في الشرق الأوسط بين صانعي السياسة والباحثين وحتى الفاعلين السياسيين أنفسهم. يمكن مطالعة التقارير الأصلية باللغة الإنجليزية على موقع مؤسسة القرن.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع “الإيمان والتصدع”، وهو أحد مشاريع مؤسسة القرن بدعمٍ من “مؤسسات المجتمع المفتوح” ومؤسسة هنري لوس.
ثاناسيس كامبانيس هو كاتب وصحفي والمدير التنفيذي لمركز القرن للبحوث والسياسات الدولية. تتناول أعماله السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، السياسة في المنطقة العربية، والحركات الاجتماعية في الشرق الأوسط.
سجاد جياد هو زميلٌ باحثٌ في مركز القرن للبحوث والسياسات الدولية ومدير مجموعة عمل السياسة الشيعية، هذا بالإضافة إلى عمله كمدير تنفيذي لمركز جسر العراق، وهي منظمة عراقية غير ربحية مقرها بغداد وتعمل على تقديم الاستشارات لمشاريع التنمية التي تستهدف الشباب.
التسمية التوضيحية: حجاجٌ سائرون نحو ضريح الإمام الحسين في كربلاء في العراق. المصدر: Getty Images
Tags: Shia, century international
كيف ينبغي فهم السياسة الشيعية حين يصبح الجميع إسلامويين شيعةً؟
بعد عقدين في السلطة، لم تعد “الإسلاموية الشيعية” تحمل نفس المعنى الذي ساعدها في الهيمنة على السياسة العراقية بعد عام 2003. يطرح فريقٌ من الباحثين في مؤسسة القرن مفاهيمَ جديدةً لفهم الفصائل التي هيمنت على العراق منذ زمنٍ بعيدٍ.
توضح الأزماتُ السياسية المتعاقبة في العراق إلى أي مدىً تغيرت سياسات البلاد منذ عام 2005، حين اختار العراقيون أول حكومةٍ تمثلهم في ظل الاحتلال العسكري الأمريكي.
لطالما كان العراق محركاً مهماً للسياسة في منطقة الشرق الأوسط، ورائداً للأفكار والتوجهات الجديدة. كان العراق في عهد صدام حسين جمهوريةً استبداديةً تحكمها أقليةٌ، ومنتِجاً مهماً للنفط، ومحركاً للصراعات الإقليمية. وبعد عقدين من الزمن لا يزال العراق جمهوريةً، وفيه اليوم نظامُ تقاسمٍ للسلطة معيبٌ لكنه ديمقراطيٌّ وتعدديٌّ، وتهيمن عليه فصائلُ تمثل الأغلبية الشيعية.
من الناحية العملية بدّدت السلطة الإسلاموية الشيعية كل إجماعٍ حول معنى المصطلحين “شيعي” أو “إسلاموي” في السياسة، وليس في العراق وحسب. إن لتطور السلطة الإسلاموية الشيعية في العراق أهميةً للمنطقة المحيطة بأكملها، حيث غالباً ما تُؤطَّر الصراعات السياسية المعقدة تأطيراً خاطئاً – غالباً من قبل المشاركين أنفسهم – وتُصوَّر بأنها صراعاتٌ بين الإسلاموية والعلمانية، أو بين الشيعة والسنة. إن الدين والهوية لا يمثلان سوى جزءٍ وحسب من السياسة الشيعية في العراق المعاصر، إذ يكشف الفهمُ المعمق للأجندات الشيعية العراقية والصراعات على السلطة عن مشهدٍ سياسيٍّ فوضويٍّ ومرنٍ، وبالكاد يفسّر المصطلحان “الإسلاموية” و “السياسة الشيعية” أياً من الدوافع والانقسامات السياسية في العراق، بالرغم من الدور البارز الذي تؤديه الشخصيات الشيعية المتدينة في جميع جوانب الصراعات السياسية الكثيرة في البلاد.
في مطلع عام 2021 جمعت مؤسسة القرن فريقاً من الباحثين المختصين بالشأن العراقي بغية دراسة التحول الذي طرأ على المشهد السياسي الشيعي في العراق منذ الغزو الأمريكي، وقد تعاون الباحثون فيما بينهم على تحليل تطور السياسة الإسلاموية الشيعية من خلال دورات تقاسم السلطة والصراع المسلح الذي رسم ملامح العراق على مدى العقدين الماضيين، وقد درس هؤلاء الباحثون القادةَ الذين اعتنقوا تسمية “الإسلامويين الشيعة”، وكيف يمكننا وصف المشهد السياسي الحالي في العراق وفهمه على نحوٍ أفضلَ.
شرح كل شيءٍ ولا شيء
تشير الدراسة المتأنية إلى أن جميع القرارات المهمة في العراق يمكن عزوها بدرجةٍ ما إلى “السياسة الشيعية”، لكن في الوقت نفسه لا يمكن عزو أيٍّ منها إلى تلك السياسة. تكشفت عمليتان بالتوازي: التفوق الشيعي، والحدود الطبيعية للنظام السياسي التعددي.
في ظل حكم الأغلبية، أصبحت السياسة الشيعية أهمَّ سياسةٍ في العراق، لكنها ليست السياسة الوحيدة بأي حالٍ من الأحوال. إن “البيت الشيعي”، على حد وصف السياسيين العراقيين لذلك الطيف المتناحر والمتباين من الفصائل السياسية الشيعية، هو مَن يعيّن رئيسَ الوزراء، ويَشغل أهمَّ المناصب الحكومية وأكثرَها تربحاً. يُفترض بالفصائل الشيعية أن تدافع عن مصالح الشيعة، لكنها في الحقيقة تقضي كثيراً من وقتها أو جلّه في التصارع فيما بينها للحصول على حصةٍ أكبرَ من السلطة أو الموارد، وغالباً ما تقصد رجال الدين المستقلين ليتدخلوا كمحكّمين أو وكلاء للتغيير، فأرفع رجل دينٍ شيعي في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، دأب على التدخل لتجنيب العراق أي تصعيدٍ كارثيٍّ للصراع. لا يمكن تفسير أيٍّ من نزاعات العراق أو حلولها بأنها تجسيدٌ لـ “الإسلاموية الشيعية”، لكن في الوقت نفسه يلعب الدين والهوية دوراً مهماً في رسم المشهد السياسي.
والبيت الشيعي لا يعمل في فراغ، بل تجده يتفاوض باستمرارٍ مع القوى الأخرى، بعضها يشار إليه بهويتها (كالكرد، والعرب السنة، وغيرهم من المجتمعات) والبعض الآخر بانتمائها المؤسسي أو مصالحها (كالأجهزة الأمنية، ونخبة رجال الأعمال). لقد صنع العراقيون بعنايةٍ نظاماً سياسياً يمنع أي فصيلٍ أو مجموعة هويةٍ من الهيمنة على الآخرين أو حتى على أي مجتمعٍ واحدٍ، فترتيب تقاسم السلطة ما بعد الغزو الأمريكي يمنح الفائزين والخاسرين على حدٍّ سواء حصصاً من سلطة الحكومة. يعزز هذا النظام التوافقي الفساد وسوء الحكم، لكنه يجعل من الصعب أيضاً على أي حاكمٍ متسلطٍ أن يستأثر بموارد الدولة بمفرده. يسبب هذا التوازن الداخلي الإحباط لدى الإصلاحيين والمواطنين العراقيين الذين طالت معاناتهم، كما أنه أسفر عن نظامٍ يتميز بجهاتٍ فاعلةٍ هجينةٍ، وهوياتٍ متداخلةٍ ومتعددة الطبقات، وتنازلاتٍ سياسيةٍ.
يتألف فريق مؤسسة القرن المعنيُّ بدراسة السياسة الشيعية من خبراء في الإسلام الشيعي والسياسة الاجتماعية في الشرق الأوسط بغية إثراء النقاش وتقديم رؤىً حول الشؤون الحالية في العراق وغيره من البلدان التي تضم عدداً كبيراً من السكان الشيعة، كإيران ولبنان والبحرين. ومن بين المساهمين طيف الخضري وعلي المولوي ومارسين الشمري وثاناسيس كامبانيس وماريا فانتابي وفنار حداد وسجاد جياد وريناد منصور وبن روبن دكروز.
المشهد السياسي ما وراء الإسلاموية والهوية
إن المسار الفريد الذي سلكه العراق في المنطقة منذ عام 2003 جعل منه مختبراً ونموذجاً للمقاربات الجديدة في الدين والسياسة والسلطة. وكون العراق جمهوريةً تعدديةً تحكمها الأغلبية وفيها نظامٌ حال دون ظهور أي حاكمٍ أو فصيلٍ مهيمنٍ واحدٍ، فإن لدى التجربة العراقية الكثيرَ لتقدمه في منطقةٍ لا تشهد سوى القليل من التجارب أو التطور السياسي. العراق محاطٌ ببلدانٍ يحكمها مستبدون وطغاةٌ لا يتورعون عن استغلال الدين لإضفاء الشرعية على أنظمتهم أو ليجعلوه بمثابة بعبعٍ، والبديل المرعب لكل ما يقدمه الحاكم الحالي. لكن في العراق، تغلغلَ الدين في المشهد السياسي الذي أصبح مشبعاً به، فتطور هذا المشهد الذي لم يتجاوز الدين بل استوعبه. كان مصطلحا “شيعي” و “إسلاموي” مناسبين لوصف جزءٍ وحسب من المشهد السياسي في العراق في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003؛ وهي تسمياتٌ تبناها كثيرٌ من العراقيين أنفسهم.
لكن في فترةٍ تاريخيةٍ قصيرةٍ نسبياً، تغيرت الهوية والممارسة السياسية، إذ لم يعد مصطلحا “شيعي” و “إسلاموي” يتضمنان نفس الخصوصية والقوة التفسيرية في العراق. وعلى نطاقٍ أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تغيرت مضامين التسميات الطائفية والدينية تغيراً كبيراً، أو حتى فقدت معناها في فترة جيلٍ واحدٍ. قد يكون لكلٍّ من “شيعي” و “إسلاموي” في العراق نفس المعنى المحدود للمصطلحات “كاثوليكي” أو “بروتستانتي” و “مسيحاوي” في المشهد السياسي في الولايات المتحدة وأوروبا. الدين والتاريخ الديني مهمان لكنهما ليسا بالضرورة عاملين تفسيريين في فهم الدوافع والأحداث.
إن هذا التعليق المترجم مقدمةٌ لمشروعٍ أطلقته مؤسسة القرن بعنوان “نضوج السلطة الشيعية: تحول السياسة الإسلاموية في العراق، 2003-2023″، ويدرس التحولَ الجذري الذي طرأ على السياسة الإسلاموية الشيعية في العراق على مدى العقدين الماضيين. نأمل أن يساعد هذا البحث في تعزيز فهم السياسة والإسلاموية الشيعية، وعلى نطاقٍ أوسع، السياسة الدينية في الشرق الأوسط بين صانعي السياسة والباحثين وحتى الفاعلين السياسيين أنفسهم. يمكن مطالعة التقارير الأصلية باللغة الإنجليزية على موقع مؤسسة القرن.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع “الإيمان والتصدع”، وهو أحد مشاريع مؤسسة القرن بدعمٍ من “مؤسسات المجتمع المفتوح” ومؤسسة هنري لوس.
ثاناسيس كامبانيس هو كاتب وصحفي والمدير التنفيذي لمركز القرن للبحوث والسياسات الدولية. تتناول أعماله السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، السياسة في المنطقة العربية، والحركات الاجتماعية في الشرق الأوسط.
سجاد جياد هو زميلٌ باحثٌ في مركز القرن للبحوث والسياسات الدولية ومدير مجموعة عمل السياسة الشيعية، هذا بالإضافة إلى عمله كمدير تنفيذي لمركز جسر العراق، وهي منظمة عراقية غير ربحية مقرها بغداد وتعمل على تقديم الاستشارات لمشاريع التنمية التي تستهدف الشباب.
التسمية التوضيحية: حجاجٌ سائرون نحو ضريح الإمام الحسين في كربلاء في العراق. المصدر: Getty Images
Tags: Shia, century international