أعاد آية الله العظمى السيد علي السيستاني، أكثرُ رجال الدين الشيعة نفوذاً في العالم في نظر الكثيرين، تعريف دور رجال الدين الشيعة في السياسة. يعتمد كتاب سيرة السيد السيستاني الصادر حديثاً عن مركز القرن الدولي على العمل الميداني المباشر، ويرى مؤلفه بأن الناس سيذكرون السيد السيستاني، ذو الثلاثة والتسعين عاماً، كرجلٍ امتاز بالتعقل والحكمة في حقبةٍ ساد فيها العنف والخوف والشك.
في صيف عام 2014 عزز تنظيم داعش قبضته على جزءٍ كبيرٍ من العراق، وراح يرتكب شتى صنوف الفظائع، وقد خيّم الحزنُ والخوفُ على العراق من هول المشاهد المروعة لإعدام نحو 1700 من المجندين من الجيش العراقي في قاعدة سبايكر الواقعة على ضفاف نهر دجلة.
وبانهيار مؤسسات الدولة وتضييق جحافل المتطرفين، ومن ضمنهم مقاتلون أجانب، الخناق على بغداد، ظهرت شخصيةٌ تحظى باحترامٍ كبيرٍ في العراق، لكنها غير معروفة لكُثرٍ حول العالم، وراحت تدعو المتطوعين إلى حمل السلاح والتصدي لتنظيم داعش. أصدر رجلُ الدين الشيعي آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الزاهد ذو الخمسة والثمانين عاماً حينئذٍ، فتواه خلال خطبة صلاة جمعةٍ ألقاها وكيله في 13 حزيران / يونيو 2014، وجاء فيها: “على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية.”
وإن هذه الفتوى ليست سوى واحدةٍ من الأمثلة البارزة على التأثير الكبير الذي يحظى به السيد السيستاني، لا في العراق وحسب، بل في جميع أنحاء عالم الإسلام الشيعي، فما من أحدٍ بذل ما بذله السيد السيستاني من جهودٍ لتحقيق الاستقرار في العراق، لينال إعجاب الغالبية من عشرات الملايين المسلمين الشيعة في العالم بنموذجه غير المباشر للسلطة الدينية، وهو نموذجٌ يتناقض بشدة مع النموذج المنافس المتمثل في الحُكم الديني المباشر الذي يروّج له نظراءُ السيد السيستاني في إيران.
وذلك ما يشكل جوهر كتابي الجديد الصادر عن مركز القرن الدولي بعنوان: رجل الله في العراق: حياة وقيادة آية الله العظمى علي السيستاني، وقد اعتمدتُ في تأليفه على مصادر جديدةٍ ومئات المقابلات التي أجريتها على مدار عقودٍ من العمل الميداني في العراق، وأبيّن فيه كيف أعاد السيد السيستاني تعريف دور رجال الدين الشيعة في السياسة.
التأثير الهادئ
كانت الرسالة التي حملتها الفتوى التي أصدرها السيد السيستاني في حزيران / يونيو 2014 بسيطةً بما فيه الكفاية: على العراقيين من جميع الأديان التوحد والتصدي لتنظيم داعش. غير أن تلك المَهمة لم تكن بالأمر الهين في بلدٍ خرج لتوه من صراعاتٍ استمرت عقوداً، بما في ذلك حربٌ أهليةٌ طاحنةٌ أججتها الانقسامات الطائفية. ومن اللافت للنظر أن فتوى السيد السيستاني أثبتت جدواها حين انضم مقاتلون من جميع الخلفيات لقوات الأمن العراقية والميليشيات المتحالفة معها؛ وقد كان معظمهم من الشيعة، وبعضهم الآخر كان من السنة والمسيحيين ومن الأقليات الأخرى في العراق، فنجحوا في صد هجوم داعش. واليوم تُعرف فتوى السيد السيستاني باسم فتوى الجهاد، وقد مثلت نقطة تحولٍ في تاريخ العراق بعد سقوط صدام حسين.
استطاع السيد السيستاني توحيد البلاد في مواجهة داعش بفضل النفوذ الهائل والاحترام الكبير الذي يحظى به بين المسلمين الشيعة في العراق وخارجه، وإن قدراً كبيراً من هذا الاحترام يُعزى إلى شخصيته وفلسفته؛ ففي مشهدٍ يغصّ برجال الدين المتعصبين والسياسيين الفاسدين، برَزَ السيد السيستاني بآرائه الحذرة والعملية، إذ يؤمن بأنه لا ينبغي على رجال الدين فرض الإملاءات على الحكومة، بل يجب عليهم خدمة الشعب، الأمر الذي يتعارض مع نهج رجال الدين الذين يحكمون إيران ويرون بأن على الزعماء الدينيين قيادة الحكومة. كما أن السيد السيستاني لا يرغب بالتدخل في السياسة، ولا يكف عن دعوة المؤمنين إلى التحلي بالصبر.
كما أن لدى السيد السيستاني شبكةٌ من رجال الدين والمؤسسات في النجف – وهي إحدى المدن المقدسة في المذهب الشيعي – تعزز نفوذه وسلطته، وقد تشكلت تلك الشبكات عبر سنواتٍ من التحالفات والمداولات الداخلية بين النخبة من العلماء، وقوامها المدرسةُ الإسلاميةُ في النجف والتي تُسمى “الحوزة العلمية”، وهي مؤسسةٌ معرفيةٌ وتقليديةٌ عريقةٌ ظلت على مرّ التاريخ معزولةً نوعاً ما عن العالم الخارجي، وفيها يختار العلماء منْ يتبعون بناءً على عوامل مثل سعة العلم والبراعة في الفقه وإظهار الحكمة. إن شبكة السيد السيستاني قويةٌ للغاية، وهو معروفٌ لا بصفته مرجعاً وحسب، بل بصفته المرجع الأعلى في المذهب الشيعي: الأول بين أقرانه، ويمكن القول إنه أكثر رجال الدين الشيعة نفوذاً منذ مطلع العصر الصفوي (1501-1629 م) بفضل نجاحه في توطيد سلطته في مجالاتٍ متعددةٍ في آنٍ معاً: الدين والسياسة والاعتراف الدولي.
حكمة السيد السيستاني
إن فتوى الجهاد التي أصدرها السيد السيستاني ليست سوى واحدةٍ من الإنجازات الكثيرة في مسيرته الطويلة والحافلة. وُلد السيد السيستاني في إيران، وأصبح طالباً متفوقاً في الحوزة العلمية في النجف عندما انتقل إليها في عام 1951، ثم نجا من قمع نظام صدام وبرز كمرجعٍ متحفظٍ في عام 1992 بعد وفاة أستاذه آية الله السيد أبو القاسم الخوئي. وبعد عام 2003 أصبح السيد السيستاني مدافعاً صلباً عن الديمقراطية إبّان الاحتلال الأمريكي، وراح ينادي بحق العراقيين في تقرير مصيرهم، ودعا إلى إجراء انتخاباتٍ في أسرع وقتٍ ممكنٍ، كما كان له دور محورياً في تهدئة العديد من الاضطرابات أثناء الاحتلال دون الرضوخ للولايات المتحدة، منذ معركة النجف الضارية عام 2004 حتى الصراع الطائفي الدموي الذي نشب في العراق بين عامي 2006 و2008. كما عارض علناً السياسيين الشيعة الفاسدين ممن كانوا يسعون إلى استمالته. وطيلة ذلك كله، حافظ على أسلوب حياته المعروف بالبساطة والزهد، ولم يُعرف عنه أنه انحرف عن مبادئه قط.
في أي دينٍ آخر، سيصبح أي زعيمٌ بهذه المكانة اسماً مألوفاً في جميع أنحاء العالم، أيْ شخصيةً على قدم المساواة مع البابا. غير أن السيد السيستاني ليس معروفاً جيداً خارج أوساط المذهب الشيعي والشرق الأوسط. إن كتاب “رجل الله في العراق: حياة وقيادة آية الله العظمى علي السيستاني” (مؤسسة القرن، كانون الأول / ديسمبر 2023) هو محاولةٌ لمعالجة هذه الفجوة الكبيرة في المعرفة المختصة بشؤون العراق والشرق الأوسط، ويحوي عشرات المقاطع من خطبٍ لم تُترجم من قبل، ويبيّن قوة السيد السيستاني الفريدة داخل المؤسسات التقليدية في المذهب الشيعي، ويسلط الضوء على حياته السياسية وإنجازاته، فضلاً عن تقديم تحليلٍ موضوعيٍ لتدخلاته ودوره بصفته شخصيةً بارزةً في العراق الحديث.
وحاله حال أي زعيمٍ آخر، ثمة من ينتقد السيد السيستاني، وإن أكبر نقد وُجه له هو أن فتواه الجهادية ساعدت في ظهور “قوات الحشد الشعبي”، وهي منظماتٌ شبه عسكريةٍ أصبحت البعض منها غارقة في الفساد منذ أن ساعدت في هزيمة داعش. وفي وقتٍ لاحقٍ عندما سعت حركة تشرين التي قادها الشباب إلى تغيير الوضع الراهن الفاسد في العراق، آثر السيد السيستاني العزوف عن السياسة احتجاجاً على سياسات الحكومة حاله في ذلك حال الشباب الذين نزلوا إلى الشارع.
غير أن السيد السيستاني، الذي يبلغ الآن 93 عاماً، برز عموماً بصفته شخصيةً تتسم بالنزاهة والأخلاق الفريدة خلال عقودٍ من الاضطرابات وتغيير النظام والتحديات العظام، وكان أكثر الناس ثباتاً في دفع العراق نحو الاستقرار والتقدم وتقرير المصير، وسيذكره الناسُ كرجلٍ امتاز بالتعقل والحكمة في حقبةٍ ساد فيها العنف والخوف والشك.
Tags: iraq, century international
الرجل الذي أنقذ العراق
أعاد آية الله العظمى السيد علي السيستاني، أكثرُ رجال الدين الشيعة نفوذاً في العالم في نظر الكثيرين، تعريف دور رجال الدين الشيعة في السياسة. يعتمد كتاب سيرة السيد السيستاني الصادر حديثاً عن مركز القرن الدولي على العمل الميداني المباشر، ويرى مؤلفه بأن الناس سيذكرون السيد السيستاني، ذو الثلاثة والتسعين عاماً، كرجلٍ امتاز بالتعقل والحكمة في حقبةٍ ساد فيها العنف والخوف والشك.
في صيف عام 2014 عزز تنظيم داعش قبضته على جزءٍ كبيرٍ من العراق، وراح يرتكب شتى صنوف الفظائع، وقد خيّم الحزنُ والخوفُ على العراق من هول المشاهد المروعة لإعدام نحو 1700 من المجندين من الجيش العراقي في قاعدة سبايكر الواقعة على ضفاف نهر دجلة.
وبانهيار مؤسسات الدولة وتضييق جحافل المتطرفين، ومن ضمنهم مقاتلون أجانب، الخناق على بغداد، ظهرت شخصيةٌ تحظى باحترامٍ كبيرٍ في العراق، لكنها غير معروفة لكُثرٍ حول العالم، وراحت تدعو المتطوعين إلى حمل السلاح والتصدي لتنظيم داعش. أصدر رجلُ الدين الشيعي آية الله العظمى السيد علي السيستاني، الزاهد ذو الخمسة والثمانين عاماً حينئذٍ، فتواه خلال خطبة صلاة جمعةٍ ألقاها وكيله في 13 حزيران / يونيو 2014، وجاء فيها: “على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية.”
وإن هذه الفتوى ليست سوى واحدةٍ من الأمثلة البارزة على التأثير الكبير الذي يحظى به السيد السيستاني، لا في العراق وحسب، بل في جميع أنحاء عالم الإسلام الشيعي، فما من أحدٍ بذل ما بذله السيد السيستاني من جهودٍ لتحقيق الاستقرار في العراق، لينال إعجاب الغالبية من عشرات الملايين المسلمين الشيعة في العالم بنموذجه غير المباشر للسلطة الدينية، وهو نموذجٌ يتناقض بشدة مع النموذج المنافس المتمثل في الحُكم الديني المباشر الذي يروّج له نظراءُ السيد السيستاني في إيران.
وذلك ما يشكل جوهر كتابي الجديد الصادر عن مركز القرن الدولي بعنوان: رجل الله في العراق: حياة وقيادة آية الله العظمى علي السيستاني، وقد اعتمدتُ في تأليفه على مصادر جديدةٍ ومئات المقابلات التي أجريتها على مدار عقودٍ من العمل الميداني في العراق، وأبيّن فيه كيف أعاد السيد السيستاني تعريف دور رجال الدين الشيعة في السياسة.
التأثير الهادئ
كانت الرسالة التي حملتها الفتوى التي أصدرها السيد السيستاني في حزيران / يونيو 2014 بسيطةً بما فيه الكفاية: على العراقيين من جميع الأديان التوحد والتصدي لتنظيم داعش. غير أن تلك المَهمة لم تكن بالأمر الهين في بلدٍ خرج لتوه من صراعاتٍ استمرت عقوداً، بما في ذلك حربٌ أهليةٌ طاحنةٌ أججتها الانقسامات الطائفية. ومن اللافت للنظر أن فتوى السيد السيستاني أثبتت جدواها حين انضم مقاتلون من جميع الخلفيات لقوات الأمن العراقية والميليشيات المتحالفة معها؛ وقد كان معظمهم من الشيعة، وبعضهم الآخر كان من السنة والمسيحيين ومن الأقليات الأخرى في العراق، فنجحوا في صد هجوم داعش. واليوم تُعرف فتوى السيد السيستاني باسم فتوى الجهاد، وقد مثلت نقطة تحولٍ في تاريخ العراق بعد سقوط صدام حسين.
استطاع السيد السيستاني توحيد البلاد في مواجهة داعش بفضل النفوذ الهائل والاحترام الكبير الذي يحظى به بين المسلمين الشيعة في العراق وخارجه، وإن قدراً كبيراً من هذا الاحترام يُعزى إلى شخصيته وفلسفته؛ ففي مشهدٍ يغصّ برجال الدين المتعصبين والسياسيين الفاسدين، برَزَ السيد السيستاني بآرائه الحذرة والعملية، إذ يؤمن بأنه لا ينبغي على رجال الدين فرض الإملاءات على الحكومة، بل يجب عليهم خدمة الشعب، الأمر الذي يتعارض مع نهج رجال الدين الذين يحكمون إيران ويرون بأن على الزعماء الدينيين قيادة الحكومة. كما أن السيد السيستاني لا يرغب بالتدخل في السياسة، ولا يكف عن دعوة المؤمنين إلى التحلي بالصبر.
كما أن لدى السيد السيستاني شبكةٌ من رجال الدين والمؤسسات في النجف – وهي إحدى المدن المقدسة في المذهب الشيعي – تعزز نفوذه وسلطته، وقد تشكلت تلك الشبكات عبر سنواتٍ من التحالفات والمداولات الداخلية بين النخبة من العلماء، وقوامها المدرسةُ الإسلاميةُ في النجف والتي تُسمى “الحوزة العلمية”، وهي مؤسسةٌ معرفيةٌ وتقليديةٌ عريقةٌ ظلت على مرّ التاريخ معزولةً نوعاً ما عن العالم الخارجي، وفيها يختار العلماء منْ يتبعون بناءً على عوامل مثل سعة العلم والبراعة في الفقه وإظهار الحكمة. إن شبكة السيد السيستاني قويةٌ للغاية، وهو معروفٌ لا بصفته مرجعاً وحسب، بل بصفته المرجع الأعلى في المذهب الشيعي: الأول بين أقرانه، ويمكن القول إنه أكثر رجال الدين الشيعة نفوذاً منذ مطلع العصر الصفوي (1501-1629 م) بفضل نجاحه في توطيد سلطته في مجالاتٍ متعددةٍ في آنٍ معاً: الدين والسياسة والاعتراف الدولي.
حكمة السيد السيستاني
إن فتوى الجهاد التي أصدرها السيد السيستاني ليست سوى واحدةٍ من الإنجازات الكثيرة في مسيرته الطويلة والحافلة. وُلد السيد السيستاني في إيران، وأصبح طالباً متفوقاً في الحوزة العلمية في النجف عندما انتقل إليها في عام 1951، ثم نجا من قمع نظام صدام وبرز كمرجعٍ متحفظٍ في عام 1992 بعد وفاة أستاذه آية الله السيد أبو القاسم الخوئي. وبعد عام 2003 أصبح السيد السيستاني مدافعاً صلباً عن الديمقراطية إبّان الاحتلال الأمريكي، وراح ينادي بحق العراقيين في تقرير مصيرهم، ودعا إلى إجراء انتخاباتٍ في أسرع وقتٍ ممكنٍ، كما كان له دور محورياً في تهدئة العديد من الاضطرابات أثناء الاحتلال دون الرضوخ للولايات المتحدة، منذ معركة النجف الضارية عام 2004 حتى الصراع الطائفي الدموي الذي نشب في العراق بين عامي 2006 و2008. كما عارض علناً السياسيين الشيعة الفاسدين ممن كانوا يسعون إلى استمالته. وطيلة ذلك كله، حافظ على أسلوب حياته المعروف بالبساطة والزهد، ولم يُعرف عنه أنه انحرف عن مبادئه قط.
في أي دينٍ آخر، سيصبح أي زعيمٌ بهذه المكانة اسماً مألوفاً في جميع أنحاء العالم، أيْ شخصيةً على قدم المساواة مع البابا. غير أن السيد السيستاني ليس معروفاً جيداً خارج أوساط المذهب الشيعي والشرق الأوسط. إن كتاب “رجل الله في العراق: حياة وقيادة آية الله العظمى علي السيستاني” (مؤسسة القرن، كانون الأول / ديسمبر 2023) هو محاولةٌ لمعالجة هذه الفجوة الكبيرة في المعرفة المختصة بشؤون العراق والشرق الأوسط، ويحوي عشرات المقاطع من خطبٍ لم تُترجم من قبل، ويبيّن قوة السيد السيستاني الفريدة داخل المؤسسات التقليدية في المذهب الشيعي، ويسلط الضوء على حياته السياسية وإنجازاته، فضلاً عن تقديم تحليلٍ موضوعيٍ لتدخلاته ودوره بصفته شخصيةً بارزةً في العراق الحديث.
وحاله حال أي زعيمٍ آخر، ثمة من ينتقد السيد السيستاني، وإن أكبر نقد وُجه له هو أن فتواه الجهادية ساعدت في ظهور “قوات الحشد الشعبي”، وهي منظماتٌ شبه عسكريةٍ أصبحت البعض منها غارقة في الفساد منذ أن ساعدت في هزيمة داعش. وفي وقتٍ لاحقٍ عندما سعت حركة تشرين التي قادها الشباب إلى تغيير الوضع الراهن الفاسد في العراق، آثر السيد السيستاني العزوف عن السياسة احتجاجاً على سياسات الحكومة حاله في ذلك حال الشباب الذين نزلوا إلى الشارع.
غير أن السيد السيستاني، الذي يبلغ الآن 93 عاماً، برز عموماً بصفته شخصيةً تتسم بالنزاهة والأخلاق الفريدة خلال عقودٍ من الاضطرابات وتغيير النظام والتحديات العظام، وكان أكثر الناس ثباتاً في دفع العراق نحو الاستقرار والتقدم وتقرير المصير، وسيذكره الناسُ كرجلٍ امتاز بالتعقل والحكمة في حقبةٍ ساد فيها العنف والخوف والشك.
Tags: iraq, century international