يقول كثيرٌ من العراقيين إنهم سئموا الطائفية، ويرغبون في رؤية سياسةٍ وطنيةٍ تقوم على المصالح المشتركة، غير أن السياساتِ الطائفيةَ وتلك القائمة على الهوية لا تزال مهيمنةً على العراق من خلال الامتيازات المؤسسية، والانتماءات المذهبية، واستخدام العنف.
بعد الغزو الأمريكي وانهيار نظام صدام حسين في عام 2003، راحت السياسة العراقية تتركز حول المجموعات القائمة على الهوية التابعة للمعارضة في المنفى والتي تضم العرب الشيعة، والعرب السنة، والأكراد، ومجموعاتٍ أصغرَ من الأقليات. وفيما راحت الفصائل تتنافس على السلطة خلال العقدين التاليين، لم يحاول الخصوم من كل فصيلٍ تمييز أنفسهم من خلال السياسة أو الأيديولوجيا، كما لم ينجح أي فصيلٍ كبيرٍ في رأب الانقسامات القائمة على الهوية، أو تجنيد قادةٍ أو أنصارٍ من الفصائل الأخرى.
مراراً وتكراراً حاول العراقيون مجابهة أنماط السلطة الطائفية، لكن الفصائل الطائفية نجحت في الذود عن نظامٍ تتفوق فيه الهوية على جميع محاور الانتماء السياسي الأخرى، فما يخدم مصالح الفصائل الطائفية ليس هو نفسه ما ينفع السكان الذين يعيشون في مجتمعاتٍ مختلطةٍ يعتمد أمنها وسبل عيشها على استقرار الوطن، ولذا تتناقض الطائفية المتجذرة في الفصائل السياسية العراقية مع الرغبات الواضحة لكثيرٍ من العراقيين، وربما أغلبيتهم، ممن ينشدون خدماتٍ جيدةً، وأمناً على أساسٍ وطنيٍّ لا طائفيٍّ.
إذا كان كثيرٌ من العراقيين قد سئموا الطائفية والسياسات القائمة على الهوية، وإذا كانوا يتوقون إلى حُكمٍ أفضل، فكيف إذن طغت الفصائليةُ الطائفيةُ والعرقيةُ على السياسةَ القائمة على الأيديولوجيا والبرامج الإصلاحية؟
بعد عام 2003 وجدتِ الفصائلُ ذاتُ القدر الأكبر من الموارد أن الطائفية الإثنية هي أسهل طريقٍ للوصول إلى السلطة، وفي العقود التالية تغلبت هذه الفصائل على التحديات المعقدة التي تقف في وجه النظام الطائفي الإثني، وساعدها في ذلك ناخبون غالباً ما يكون لمخاوفهم طابعٌ طائفيٌّ وإثنيٌّ، إذ غالباً ما تهدد الجماعاتُ المسلحةُ العراقيين على أساس هويتهم، فيما تُوزع الفصائلُ المواردَ على أساس الانتماء الطائفي.
باتت الأحزاب الطائفية والعرقية تهيمن على المشهد السياسي لثلاثة أسبابٍ رئيسةٍ: استخدامها العنفَ، واستغلالها الامتيازات الهيكلية في النظام السياسي الذي أنشأته، واستمالتها المستمرة لنسبةٍ كبيرةٍ من السكان ممن ينشدون الحماية من الهجمات المتطرفة المستمرة من قبل جماعاتٍ طائفيةٍ كتنظيم الدولة الإسلامية.
بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، راحت كثيرٌ من الحركات السياسية المناهضة للطائفية تتنافس على السلطة مع الفصائل الطائفية، لكنها فشلت في تحقيق نجاحاتٍ ملحوظةٍ، وفي آخر واقعةٍ فُرضت فيها السياسة الطائفية، أعرضتِ الفصائل الإسلاموية الشيعية المنضوية في الإطار التنسيقي في عام 2022 عن صفقةٍ كبيرةٍ عابرةٍ للطوائف، وفرضت منطق كل طائفةٍ تعمل لنفسها، وقد وصفْتُ هذا الفرْض للسياسة القائمة على الهوية بـ “الانتكاسة الطائفية”.
كانت الصيغة التي اتبعها الإطار التنسيقي لدرء التهديد الذي شكله التحالف الثلاثي واضحةً بما فيه الكفاية، إذ اعتمدت تلك الصيغة على استخدام العنف، والامتيازاتِ المؤسسية، وزرع الخوف، لكن نجاحها لا يزال بمثابة مفاجأةٍ لمن ظنوا أن حركة تشرين قد تبشر بحقبةٍ سياسيةٍ جديدةٍ في العراق.
توضح أزمةُ تشكيل الحكومة تجذرَ الطائفية وأنماط الانتكاسات الطائفية في العراق، حيث يسود النظام الطائفي ويطغى على المطالب الشعبية بتشكيل نظامٍ أقل طائفيةً. لم تنحسر الطائفية قط كمصدرٍ للسلطة ووسيلةٍ لتنظيم الجماهير، بل ظلت رغم تعقيدها محركاً قوياً للصراع وانعدام الأمن، لا سيما في استجابتها للطائفية الدموية والبدائية التي أظهرها تنظيم الدولة الإسلامية وأسلافه من الجماعات المتطرفة الأخرى.
استمرار الطائفية
إذا كان العراقيون يمقتون النظام الطائفي، وإذا كان لا يخدمهم كما ينبغي، فكيف إذن تمكن من إزاحة البدائل ومنع وجودها؟
تسعى الفصائل العراقية وراء السلطة بأيةٍ استراتيجيةٍ ممكنةٍ، تارةً عن طريق الطائفية، وتارةً أخرى عن طريق القومية بناءً على حساباتٍ قصيرة الأجل، والشيء نفسه ينطبق على الحكومات الأجنبية التي توثّر في المفاوضات السياسية في العراق. على سبيل المثال في واقعة البيت الشيعي عام 2021-2022، دعمت إيران الإطار التنسيقي، وشجّعت التوصل إلى نتيجةٍ تشمل جميع الفصائل الشيعية، لكن بعد انسحاب التيار الصدري دعم الإيرانيون حكومة الأغلبية، وإن كانت حكومةً يسيطر عليها أقربُ حلفاء إيران. وأما الولايات المتحدة، فبالرغم من دعمها النظري للمؤسسات الوطنية والنماذج الديمقراطية، لكنها دأبت على دعم الحكومات التوافقية، وأظهرت استعدادها للعمل مع حكومة السوداني. لا يمكن النظر إلى تدخلات الولايات المتحدة وإيران على أنها قوميةٌ بحتةٌ أو طائفيةٌ بحتةٌ، بل الأحرى بنا النظر إلى القوى المتدخلة على أنها تسعى إلى تحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية قصيرة الأجل بالتعاون مع أي شريكٍ متاحٍ وسهل الانقياد.
وبكل بساطةٍ راحتِ الفصائل الشيعية المتشددة التي انتصرت بعد انتخابات 2021 تستخدم الطائفية الإثنية لأنها أثبتت جدواها. يمكن القول إن بعض الفصائل الشيعية أكثر طائفيةً من غيرها، ومن الناحية الأخرى من المستحيل التيقن مما يؤمن به قادة الفصائل، لكن من الممكن تتبع خطابهم ومواقفهم التفاوضية، وأخيراً، نتائج المفاوضات (سواءً في صندوق الاقتراع، أو في محادثات الائتلاف، أو في الصراع المسلح). ومنذ عام 2003 استخدم كل فصيلٍ رئيسٍ، من كل طائفةٍ ومجموعةٍ، الخطابَ الطائفي، وقد نجح هؤلاء القادة الطائفيون في فرض قواعدهم الطائفية في السياسة وفي تنظيم الحكومات بالرغم من النفور المتعاظم لدى الناخبين العراقيين من السياسة الطائفية.
قامَرَ قادة البيت الشيعي وربحوا من خلال زعمهم بأنهم يمثلون المصالح الموحدة للطائفة الشيعية، وأنهم كانوا يمكّنون الطوائف والمجموعات الأخرى من حماية مصالحها أيضاً، لكن البيت الشيعي لا يمثل في الواقع جميع الفصائل الشيعية، فهو يستثني الفصيل الشيعي الأكثر شعبيةً وقوةً والذي يتزعمه مقتدى الصدر، والأهم من ذلك أن الفصائل الشيعية لا تمثل مصالح جميع الشيعة العراقيين، فكثيرٌ من هؤلاء لا يعرّفون أنفسهم بطائفتهم، بل يتطلعون إلى رؤية العراق يُحكم حكماً مختلفاً وأكثر كفاءةً، ويلبي المطالب الشعبية بالحصول على الخدمات الأساسية، وتعزيز قدرة الدولة، وبناء مؤسساتٍ وطنيةٍ.
في حقبة ما بعد صدام حسين، أحكمتِ الفصائل الطائفية قبضتها على السلطة، لكنها لم تقدم أياً من المنافع التي وعدت بها ناخبيها، ولذا باتَ عددٌ متزايدٌ من العراقيين يصطفون لا على أسسٍ طائفيةٍ إثنيةٍ، بل على أسسٍ سياسيةٍ وأيديولوجيةٍ. ستشكل المرحلة المقبلة من التنظيم السياسي اختباراً حقيقياً للطائفية في العراق، اختباراً سيرحب به كثيرٌ من العراقيين.
هذا التعليق المترجم هو نسخةٌ مختصرةٌ عن تقريرٍ لمركز القرن للبحوث والسياسات الدولية بعنوان: الانتكاسة الطائفية في العراق: دروسٌ من “البيت الشيعي.” نُشر التقرير ضمن مشروعٍ أطلقته مؤسسة القرن بعنوان “نضوج السلطة الشيعية: تحول السياسة الإسلاموية في العراق، 2003-2023″، ويدرس التحولَ الجذري الذي طرأ على السياسة الإسلاموية الشيعية في العراق على مدى العقدين الماضيين. نأمل أن يساعد هذا البحث في تعزيز فهم السياسة والإسلاموية الشيعية، وعلى نطاقٍ أوسع، السياسة الدينية في الشرق الأوسط بين صانعي السياسة والباحثين وحتى الفاعلين السياسيين أنفسهم. يمكن مطالعة التقارير الأصلية باللغة الإنجليزية على موقع مؤسسة القرن.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع “الإيمان والتصدع”، وهو أحد مشاريع مركز القرن للبحوث والسياسات الدولية بدعمٍ من “مؤسسات المجتمع المفتوح” ومؤسسة هنري لوس.
ثاناسيس كامبانيس هو كاتب وصحفي والمدير التنفيذي لمركز القرن للبحوث والسياسات الدولية. تتناول أعماله السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، السياسة في المنطقة العربية، والحركات الاجتماعية في الشرق الأوسط.
التسمية التوضيحية: متظاهرون يدونون أُمنياتٍ في ملصقاتٍ مثبتةٍ على “جدار الأمنيات” في “المطعم التركي” في ساحة التحرير ببغداد في 22 تشرين الثاني / نوفمبر 2019 خلال احتجاجات حركة تشرين، حيث سيطر المتظاهرون على المبنى غير المكتمل وحولوه إلى مركزٍ للفنون وحرية التعبير في حركتهم الاحتجاجية. المصدر: تصوير إيرين تريب / Getty Images
Tags: iraq, Iraqi politics
الانتكاسة الطائفية في العراق: دروسٌ من "البيت الشيعي"
يقول كثيرٌ من العراقيين إنهم سئموا الطائفية، ويرغبون في رؤية سياسةٍ وطنيةٍ تقوم على المصالح المشتركة، غير أن السياساتِ الطائفيةَ وتلك القائمة على الهوية لا تزال مهيمنةً على العراق من خلال الامتيازات المؤسسية، والانتماءات المذهبية، واستخدام العنف.
بعد الغزو الأمريكي وانهيار نظام صدام حسين في عام 2003، راحت السياسة العراقية تتركز حول المجموعات القائمة على الهوية التابعة للمعارضة في المنفى والتي تضم العرب الشيعة، والعرب السنة، والأكراد، ومجموعاتٍ أصغرَ من الأقليات. وفيما راحت الفصائل تتنافس على السلطة خلال العقدين التاليين، لم يحاول الخصوم من كل فصيلٍ تمييز أنفسهم من خلال السياسة أو الأيديولوجيا، كما لم ينجح أي فصيلٍ كبيرٍ في رأب الانقسامات القائمة على الهوية، أو تجنيد قادةٍ أو أنصارٍ من الفصائل الأخرى.
مراراً وتكراراً حاول العراقيون مجابهة أنماط السلطة الطائفية، لكن الفصائل الطائفية نجحت في الذود عن نظامٍ تتفوق فيه الهوية على جميع محاور الانتماء السياسي الأخرى، فما يخدم مصالح الفصائل الطائفية ليس هو نفسه ما ينفع السكان الذين يعيشون في مجتمعاتٍ مختلطةٍ يعتمد أمنها وسبل عيشها على استقرار الوطن، ولذا تتناقض الطائفية المتجذرة في الفصائل السياسية العراقية مع الرغبات الواضحة لكثيرٍ من العراقيين، وربما أغلبيتهم، ممن ينشدون خدماتٍ جيدةً، وأمناً على أساسٍ وطنيٍّ لا طائفيٍّ.
إذا كان كثيرٌ من العراقيين قد سئموا الطائفية والسياسات القائمة على الهوية، وإذا كانوا يتوقون إلى حُكمٍ أفضل، فكيف إذن طغت الفصائليةُ الطائفيةُ والعرقيةُ على السياسةَ القائمة على الأيديولوجيا والبرامج الإصلاحية؟
بعد عام 2003 وجدتِ الفصائلُ ذاتُ القدر الأكبر من الموارد أن الطائفية الإثنية هي أسهل طريقٍ للوصول إلى السلطة، وفي العقود التالية تغلبت هذه الفصائل على التحديات المعقدة التي تقف في وجه النظام الطائفي الإثني، وساعدها في ذلك ناخبون غالباً ما يكون لمخاوفهم طابعٌ طائفيٌّ وإثنيٌّ، إذ غالباً ما تهدد الجماعاتُ المسلحةُ العراقيين على أساس هويتهم، فيما تُوزع الفصائلُ المواردَ على أساس الانتماء الطائفي.
باتت الأحزاب الطائفية والعرقية تهيمن على المشهد السياسي لثلاثة أسبابٍ رئيسةٍ: استخدامها العنفَ، واستغلالها الامتيازات الهيكلية في النظام السياسي الذي أنشأته، واستمالتها المستمرة لنسبةٍ كبيرةٍ من السكان ممن ينشدون الحماية من الهجمات المتطرفة المستمرة من قبل جماعاتٍ طائفيةٍ كتنظيم الدولة الإسلامية.
بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، راحت كثيرٌ من الحركات السياسية المناهضة للطائفية تتنافس على السلطة مع الفصائل الطائفية، لكنها فشلت في تحقيق نجاحاتٍ ملحوظةٍ، وفي آخر واقعةٍ فُرضت فيها السياسة الطائفية، أعرضتِ الفصائل الإسلاموية الشيعية المنضوية في الإطار التنسيقي في عام 2022 عن صفقةٍ كبيرةٍ عابرةٍ للطوائف، وفرضت منطق كل طائفةٍ تعمل لنفسها، وقد وصفْتُ هذا الفرْض للسياسة القائمة على الهوية بـ “الانتكاسة الطائفية”.
كانت الصيغة التي اتبعها الإطار التنسيقي لدرء التهديد الذي شكله التحالف الثلاثي واضحةً بما فيه الكفاية، إذ اعتمدت تلك الصيغة على استخدام العنف، والامتيازاتِ المؤسسية، وزرع الخوف، لكن نجاحها لا يزال بمثابة مفاجأةٍ لمن ظنوا أن حركة تشرين قد تبشر بحقبةٍ سياسيةٍ جديدةٍ في العراق.
توضح أزمةُ تشكيل الحكومة تجذرَ الطائفية وأنماط الانتكاسات الطائفية في العراق، حيث يسود النظام الطائفي ويطغى على المطالب الشعبية بتشكيل نظامٍ أقل طائفيةً. لم تنحسر الطائفية قط كمصدرٍ للسلطة ووسيلةٍ لتنظيم الجماهير، بل ظلت رغم تعقيدها محركاً قوياً للصراع وانعدام الأمن، لا سيما في استجابتها للطائفية الدموية والبدائية التي أظهرها تنظيم الدولة الإسلامية وأسلافه من الجماعات المتطرفة الأخرى.
استمرار الطائفية
إذا كان العراقيون يمقتون النظام الطائفي، وإذا كان لا يخدمهم كما ينبغي، فكيف إذن تمكن من إزاحة البدائل ومنع وجودها؟
تسعى الفصائل العراقية وراء السلطة بأيةٍ استراتيجيةٍ ممكنةٍ، تارةً عن طريق الطائفية، وتارةً أخرى عن طريق القومية بناءً على حساباتٍ قصيرة الأجل، والشيء نفسه ينطبق على الحكومات الأجنبية التي توثّر في المفاوضات السياسية في العراق. على سبيل المثال في واقعة البيت الشيعي عام 2021-2022، دعمت إيران الإطار التنسيقي، وشجّعت التوصل إلى نتيجةٍ تشمل جميع الفصائل الشيعية، لكن بعد انسحاب التيار الصدري دعم الإيرانيون حكومة الأغلبية، وإن كانت حكومةً يسيطر عليها أقربُ حلفاء إيران. وأما الولايات المتحدة، فبالرغم من دعمها النظري للمؤسسات الوطنية والنماذج الديمقراطية، لكنها دأبت على دعم الحكومات التوافقية، وأظهرت استعدادها للعمل مع حكومة السوداني. لا يمكن النظر إلى تدخلات الولايات المتحدة وإيران على أنها قوميةٌ بحتةٌ أو طائفيةٌ بحتةٌ، بل الأحرى بنا النظر إلى القوى المتدخلة على أنها تسعى إلى تحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية قصيرة الأجل بالتعاون مع أي شريكٍ متاحٍ وسهل الانقياد.
وبكل بساطةٍ راحتِ الفصائل الشيعية المتشددة التي انتصرت بعد انتخابات 2021 تستخدم الطائفية الإثنية لأنها أثبتت جدواها. يمكن القول إن بعض الفصائل الشيعية أكثر طائفيةً من غيرها، ومن الناحية الأخرى من المستحيل التيقن مما يؤمن به قادة الفصائل، لكن من الممكن تتبع خطابهم ومواقفهم التفاوضية، وأخيراً، نتائج المفاوضات (سواءً في صندوق الاقتراع، أو في محادثات الائتلاف، أو في الصراع المسلح). ومنذ عام 2003 استخدم كل فصيلٍ رئيسٍ، من كل طائفةٍ ومجموعةٍ، الخطابَ الطائفي، وقد نجح هؤلاء القادة الطائفيون في فرض قواعدهم الطائفية في السياسة وفي تنظيم الحكومات بالرغم من النفور المتعاظم لدى الناخبين العراقيين من السياسة الطائفية.
قامَرَ قادة البيت الشيعي وربحوا من خلال زعمهم بأنهم يمثلون المصالح الموحدة للطائفة الشيعية، وأنهم كانوا يمكّنون الطوائف والمجموعات الأخرى من حماية مصالحها أيضاً، لكن البيت الشيعي لا يمثل في الواقع جميع الفصائل الشيعية، فهو يستثني الفصيل الشيعي الأكثر شعبيةً وقوةً والذي يتزعمه مقتدى الصدر، والأهم من ذلك أن الفصائل الشيعية لا تمثل مصالح جميع الشيعة العراقيين، فكثيرٌ من هؤلاء لا يعرّفون أنفسهم بطائفتهم، بل يتطلعون إلى رؤية العراق يُحكم حكماً مختلفاً وأكثر كفاءةً، ويلبي المطالب الشعبية بالحصول على الخدمات الأساسية، وتعزيز قدرة الدولة، وبناء مؤسساتٍ وطنيةٍ.
في حقبة ما بعد صدام حسين، أحكمتِ الفصائل الطائفية قبضتها على السلطة، لكنها لم تقدم أياً من المنافع التي وعدت بها ناخبيها، ولذا باتَ عددٌ متزايدٌ من العراقيين يصطفون لا على أسسٍ طائفيةٍ إثنيةٍ، بل على أسسٍ سياسيةٍ وأيديولوجيةٍ. ستشكل المرحلة المقبلة من التنظيم السياسي اختباراً حقيقياً للطائفية في العراق، اختباراً سيرحب به كثيرٌ من العراقيين.
هذا التعليق المترجم هو نسخةٌ مختصرةٌ عن تقريرٍ لمركز القرن للبحوث والسياسات الدولية بعنوان: الانتكاسة الطائفية في العراق: دروسٌ من “البيت الشيعي.” نُشر التقرير ضمن مشروعٍ أطلقته مؤسسة القرن بعنوان “نضوج السلطة الشيعية: تحول السياسة الإسلاموية في العراق، 2003-2023″، ويدرس التحولَ الجذري الذي طرأ على السياسة الإسلاموية الشيعية في العراق على مدى العقدين الماضيين. نأمل أن يساعد هذا البحث في تعزيز فهم السياسة والإسلاموية الشيعية، وعلى نطاقٍ أوسع، السياسة الدينية في الشرق الأوسط بين صانعي السياسة والباحثين وحتى الفاعلين السياسيين أنفسهم. يمكن مطالعة التقارير الأصلية باللغة الإنجليزية على موقع مؤسسة القرن.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع “الإيمان والتصدع”، وهو أحد مشاريع مركز القرن للبحوث والسياسات الدولية بدعمٍ من “مؤسسات المجتمع المفتوح” ومؤسسة هنري لوس.
ثاناسيس كامبانيس هو كاتب وصحفي والمدير التنفيذي لمركز القرن للبحوث والسياسات الدولية. تتناول أعماله السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، السياسة في المنطقة العربية، والحركات الاجتماعية في الشرق الأوسط.
التسمية التوضيحية: متظاهرون يدونون أُمنياتٍ في ملصقاتٍ مثبتةٍ على “جدار الأمنيات” في “المطعم التركي” في ساحة التحرير ببغداد في 22 تشرين الثاني / نوفمبر 2019 خلال احتجاجات حركة تشرين، حيث سيطر المتظاهرون على المبنى غير المكتمل وحولوه إلى مركزٍ للفنون وحرية التعبير في حركتهم الاحتجاجية. المصدر: تصوير إيرين تريب / Getty Images
Tags: iraq, Iraqi politics